نواكشوط التي في القلب

نواكشوط التي في القلب

المغرب الرياضي  -

نواكشوط التي في القلب

بقلم : نور الدين مفتاح

اجتمع التاريخ البعيد والقريب والجغرافيا ومكر الجوار ليخلق بيننا وبين الشقيقة موريتانيا جبلا من الحواجز النفسية والعقد المزمنة وسوء الفهم الكبير، ولو كان القدر رحيما بنا جميعا لما وجدت من وشائج أمتن ما بين رباط الخير وبلاد شنقيط، ولكن ما كل ما يشتهي المرء يدركه…
 
وكم هم ودودون لطفاء إخواننا الموريتانيون، لينون بين الأيادي دافئون في الأحضان، قريبون جدا من المغربي ولو كانوا وسط مائة جنسية، متعلمون قارضون أو حافظون للشعر، بدويون بمفهوم العزّة والشرف للبداوة. مؤسف جدا ألا يكون بين شعبينا إلا هذا المد الأثير والجزر الكثير. مؤسف ألا نسمع اليوم إلا عن أصوات الجزمات العكسرية على الحدود، وعن حشد الحشود، وعن ضربة هنا وجرح هناك باستعمال ورقة الانفصال، وما أخطرها من ورقة على الجميع، وموريتانيا أدرى، ولكن هي صروف الزمان الذي أثقلته أسماله المتسخة بالوقيعة القديمة منذ الإطاحة بالمختار ولد داداه، فحلف مغربي موريتاني هو خط أحمر بالنسبة للجارة الشرقية المتعجرفة، ولو أدى ذلك إلى إرسال دبابات إلى القصر الرئاسي بنواكشوط كما حصل سنة 1979 حينما تم ضرب عصفورين بحجر واحد، إرهاب موريتانيا والتخلص من مؤسس البوليساريو مصطفى السيد.
 
صحيح أن موريطانيا كانت جزءا من الإمبراطورية المغربية، ولكن كان هذا زمن الإمبراطوريات، وصحيح أن البيعة للسلطان في مراكش أو فاس كانت في أعناق الموريطانيين، ولكن هذا كان زمان السلاطين، وصحيح أن المغرب كان آخر دولة تعترف بموريطانيا، ولكن هذا كان زمن تقزيم المغرب وفصله عن ترابه الطبيعي في طرفاية والساقية الحمراء، وصحيح أيضا أن المغرب اقتسم الصحراء مع موريطانيا في الاتفاقية الثلاثية الموقعة بمدريد سنة 1975، ثم استرجع المغرب صحراءه لما انسحبت موريطانيا بضغط رهيب من الجزائر، ولكن النزاع ظل قائما بين البوليساريو والجزائر من جهة والمغرب من جهة أخرى، صحيح وصحيح وصحيح… ولكن كل هذه الترسبات الجيولوجية تركت ندوبا، والندوب التي يمكن تجاوزها حوّلها الواقع السياسي في الجارة الجنوبية العزيزة إلى حواجز شائكة في أغلب الأحيان.
 
إن الشعب الموريطاني سيد نفسه، وهو يختار من يراه الأصلح لتدبير شؤونه، والتصويت في موريطانيا وإن كان في جزء منه قبليّاً فهو واع في بلد المليون شاعر، ولكن حكم الانقلابات العسكرية لم يترك الفرصة للحكم المدني حتى يشتد عوده، ولا ترك الفرصة للديموقراطية الناشئة كي تزهر، وهكذا أصبح المغرب جزءاً من السياسة الداخلية لموريطانيا، لأن كل رئيس جديد يعتقد أنه بقدر تقاربه مع المغرب بقدر اقتراب انقلاب عسكري محتمل منه. وكم من أياد خارجية لعبت لعبتها لتفسد ليس فقط المغرب الكبير المفكك، ولكن لتكسر تلك الوشائج القوية التي تربط الشعب الموريطاني الطيب بإخوانه في جنوب وشمال المملكة.
 
إن نصف سكان الصحراء في وادي الذهب حملوا الجنسية الموريطانية قبل أن يحملوا الجنسية المغربية، وهذه حكاية إنسانية مجتمعية لابد للإنسان أن ينصت لنبضها في عين المكان هناك في مدينة الداخلة مثلا، وإلى اليوم ليس هناك فرق بين الموريطاني والمغربي في الكثير من النقاط الجغرافية والإنسانية، ولهذا ستكون الغرابة أكبر والصدمة أقوى عندما نسمع اليوم أن رائحة الحرب تدور في الحدود بين المغرب وموريطانيا!
 
إن الكركرات نقطة حدودية تبعد عن الداخلة بأربعمائة كيلومتر تقريبا، فما الذي كان يجب أن يصلنا كصدى لها؟ الطبيعي أن تتواطأ الرباط ونواكشوط للحد من الجريمة العابرة للحدود لبناء طريق محروس من بضعة كيلومترات، ولكن هذا خط أحمر بالنسبة للجزائر. قد نفهم أن تكون الحدود بيننا وبين جارنا الشرقي مغلقة، ولكن ما الذي يجعل حدودنا مع نواديبو تلتهب هكذا فجأة؟
 
نحن نحسب أن لگويرة التي توجد في أسفل الكركرات هي جزء من السيادة المغربية، وهذا ليس لا منطقا توسعيا ولا حنينا للإمبراطورية، ولكنه واقع ما بعد خروج إسبانيا من الصحراء. وإذا كان الحسن الثاني قد اتخذ مبادرات وأبرم اتفاقات كان لها منطقها في حينها، وتبين في ما بعد أنه كانت تنقصها الحيطة والاحتراز، فإن هذا ليس مبررا للركوب عليها لتصفية حسابات ضيقة لا تمت بصلة للعلاقات الأخوية الممتازة بين الشعبين المغربي والموريطاني، خصوصا وأن الأشقاء في نواكشوط هم الأدرى والأعرف بخبايا ما جرى في ملف الانفصال، وعندهم الخبر اليقين بالدليل والبرهان حول الكيفية التي اختلق بها نزاع الصحراء ليدوم وليحطم آمال الصحراويين والمغاربيين عموما في العيش المشترك الآمن المستقر والمزدهر.
 
لهذا يحس المغرب والمغاربة بظلم أقوى عندما يأتي من هذه الموريتان العزيزة وبحركات استخفافية، من مثل تسهيل المأمورية لزعيم البوليساريو لالتقاط صور بالبزة العسكرية على المحيط الأطلسي، أو رفع علم الجمهورية الموريطانية بالگويرة، أو غض الطرف عن توغل مسلحي البوليساريو في المنطقة العازلة أو حشد القوات على الحدود، أو تعزيز الصداقة ما بين نواكشوط وما يدعى الجمهورية الصحراوية. مؤسف حقا هذا المآل، حيث يعمل بلد مغاربي على المساهمة في لم شمل قارة سمراء شتتتها  المناورات  والدسائس والنزاعات المفتعلة في ذات الوقت الذي يحاول جيرانه اللعب بأوراق الماضي، أوراق الحرب الباردة  وزمن الزعامات والحماقات والقذافيات.
 
لن نقول إلا بأمل صادق في أن تعود المياه لمجاريها، وأن تكون موريطانيا الشقيقة جزءا من أصدقاء المغرب إذا عزّت الأخوة، وأن تكون هذه الجارة حرّة في اختياراتها ولكن ألا تنحاز وألا تعادي، فمصلحة الشعب هي في التنمية والشراكات المثمرة والجيل الجديد من علاقات جنوب جنوب التي أطلقها المغرب ليس تفاخراً ولكن للضرورة من أجل الربح المشترك، وأما قضية الصحراء فإنها في الأمم المتحدة، ولنترك للمنتظم الأممي شأن معالجتها والسلام.

المصدر :صحيفة الأيام 24

GMT 12:45 2019 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

المغرب المحاصر

GMT 08:59 2019 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

المغرب والخليج بين ثورتين

GMT 07:54 2019 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

لغة تدريس العلوم والشعب المغبون

GMT 09:01 2019 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

لغة تدريس العلوم والشعب المغبون

GMT 06:38 2019 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

لعنة الله على الظالمين

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نواكشوط التي في القلب نواكشوط التي في القلب



GMT 03:37 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

عبايات "دولتشي آند غابانا" لخريف وشتاء 2019
المغرب الرياضي  - عبايات

GMT 05:47 2023 الأحد ,03 أيلول / سبتمبر

أفضل 50 فندقاً حول العالم لعام 2023
المغرب الرياضي  - أفضل 50 فندقاً حول العالم لعام 2023

GMT 01:32 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
المغرب الرياضي  - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال

GMT 20:35 2018 السبت ,14 تموز / يوليو

4 ساعات جوا في رحلة الوداد إلى كوناكري

GMT 20:23 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

معلومات مهمة لعشاق رونار

GMT 10:49 2018 الثلاثاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

عطب إداري

GMT 10:33 2017 الإثنين ,10 إبريل / نيسان

عين العدل

GMT 15:48 2015 الإثنين ,14 أيلول / سبتمبر

مدرب ليستر سيتى يشيد بالجزائري رياض محرز

GMT 09:13 2017 الأربعاء ,12 إبريل / نيسان

برامج الطبخ بين الفائدة والتسلية

GMT 11:29 2019 الجمعة ,06 أيلول / سبتمبر

أسود هولندا وحراك الريف

GMT 14:42 2019 الإثنين ,09 أيلول / سبتمبر

عموتة يرخص للاعبي بركان بمغادرة تجمع المحليين

GMT 00:42 2017 السبت ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

أمبارك بوصوفة يهدي تأهل المغرب لمونديال روسيا للجماهير
 
moroccosports

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

moroccosports moroccosports moroccosports moroccosports
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib