للبيت أعمدة لا تحميه

للبيت أعمدة لا تحميه

المغرب الرياضي  -

للبيت أعمدة لا تحميه

بقلم : نور الدين مفتاح

ها قد خرجت حكومة الستة أشهر وما لها أقل بكثير مما عليها، ومن فرط صعوبة هذا المخاض أصبح مجرد خروج الجهاز التنفيذي إلى الوجود إنجازا. ومهما كان من حكاية هذا الصراع الطويل من أجل الديموقراطية، وقد بدأ منذ فجر الاستقلال ولا يزال مسلسلا مسترسلا يبحث عن الغاية دون أن يصل إليها، وهي الديموقراطية، فإن أصل الداء ليس في الدستور وفصل السلط وقوة المؤسسات واحترام الإرادة الشعبية، ولكنه بالأساس في التربة التي تبنى عليها كل هذه المقومات اللازمة لتدبير شؤون الأمة، وهذه التربة للأسف غير خصبة لحد الآن، وتتعلق بالتعليم والثقافة والقيم.

إن الديموقراطية ليست سلطاً تملك شرعية القوة فقط، وهي ثلاث، ولكنها سلط أخرى غير دستورية تملك قوة التأثير والرقابة، وبدونها لن تكون هناك ديموقراطية كاملة مهما كانت نوعية الحكومات وأشكال الدساتير.

ومن هذه السلط الرقابية نجد أن الصحافة، التي تعاني في العالم كلّه من تحولات رهيبة، تكاد تكون تحتضر في بلادنا لأسباب متشابكة ومعقدة. إن تغير عادات القراءة، ووجود هذا التسونامي اليومي من الأخبار المتاحة في مواقع التواصل الاجتماعي، جعل نموذج شراء الأخبار ينهار، وتبعه تحول الإشهار إلى الرقمي لنكون بالفعل أقرب إلى نبوءة وفاة الصحافة الورقية، وها نحن نرى في بلادنا مؤخرا كيف أغلقت جريدة "التجديد"، وصحيفة "جديد بريس" الإلكترونية، وقبلهما "مغرب اليوم" ويومية "الخبر" وقبلها جريدة "الناس" و"نيشان" و"الجريدة الأولى" و"الجريدة الأخرى" و"الصحيفة"، و"أكتيال" واللائحة طويلة.

إن المشكل في بلادنا ليس مشكل تحول رقمي فقط، ولكنه مشكل بنيوي، بحيث إنه قبل أن يهب هذا الإعصار العالمي على الصحافة، كانت بيوت قراءة الصحف في المغرب قصديرية، وكانت أرقام مبيعاتنا أضعف بكثير من عدد المتعلمين، وهذا ناتج عن إفلاس نظام تعليمي ظل لعقود حقل تجارب فاشلة نجترها لحد الآن، وقد أدى هذا بكل صراحة إلى أن أزمة الجودة أصبحت في الطلب لا في العرض، وعدنا إلى المعادلة المقرفة القديمة "الجمهور عاوز كده" ولكن بصيغة أفدح وهي أن "الجمهور مش عاوز حاجة"!

إن المقاولة الصحافية لا يمكن أن تعيش بالمقالات والتحقيقات والتعاليق والتقارير إلا إذا كانت عندها الإمكانيات لتمويل ذلك، وليست أي إمكانيات، ولكن تلك التي تضمن استقلالها من القراء أو الإعلان التجاري، وإذا كان المعلنون في جزء كبير من الدول المتقدمة قد تحولوا للرقمي، وتحولت الصحافة كذلك إليه، مع الاحتفاظ بطرق تمويل القراء عن طريق الاشتراك في الصحف الإلكترونية، فإن شيئا من هذا لم يحصل في بلادنا، وآخر الأرقام في هذا الإطار تقول إن رقم معاملات الإشهار السنوي في بلادنا لا يتجاوز 3,5 مليار درهم، ثلاثون في المائة منها يأخذها التلفزيون و30 في المائة للوحات الإشهارية في الشوارع، والصحافة الورقية نزلت من 22 إلى15٪، وسيستمر نزولها دون أن تستفيد من ذلك الصحافة الإلكترونية التي لا تتجاوز بالكاد 3 إلى 4٪، وسيكون من الصادم القول اليوم إن الصحافة الإلكترونية في بلادنا خلقت وهي مريضة اقتصاديا، لأن المعلنين يفضلون الآن المرور عبر الشركات العملاقة الأرخص، ومنها "غوغل" و"فايس بوك"، على أن يمروا عبر الصحف المحلية، وهذا يعني أن قصة الصحافة في المغرب قد تكون تكتب آخر صفحاتها.

يضاف إلى كل هذه المآسي شيء في غاية الخطورة، وهو أن الصحافي فقد اليوم حصرية الدور المجتمعي الذي كان يقوم به، وأصبح عندنا 14 مليون مواطن حامل لهاتف محمول، يعني 14 مليون مصور محتمل لنقل الصور والفيديوهات، وعندنا عشرة ملايين تقريبا من رواد الفايسبوك، وكل هذا يجعل من كل فرد منتجا محتملا للأخبار وناقلا لبعضها من عين المكان، وكاتبا للرأي ومعبئا، مع أن المصفاة المهنية للتحقق من الأخبار انتهت، لتصبح هذه الدمقرطة الثورية لوسائل الاتصال ذات أضرار جانبية في غاية الخطورة.

إن مربط الفرس في النهاية أن المهدد ليس مناصب شغل في قطاع الإعلام ولا مقاولات صحافية، ولكن المهدد بالأساس هو الصحافة كصحافة، كعمود أساسي من أعمدة الديموقراطية، كمخصب لتربة المجتمع الثقافية، والغريب أن بعض السلط الفعلية في الدول الديموقراطية تهب لتقوية الصحافة والحفاظ على وهجها رغم أنها رقيبة عليها و مزعجة لها، إلا أنه في بلدان الانتقال أو الهشاشة الديموقراطية، يجد بعض أصحاب السلطة كل المبررات لرسم صورة الشيطان للصحافة والصحافيين، ويبتهج لاندحارها، ويزغرد في كل مرة  يحمل نعش بعضها إلى مقبرة الصحف الواسعة.

الصحافي له مسؤولية اجتماعية تجاه الجمهور وشرعية مستمدة منه، وللقيام بهذا الدور لابد للجميع أن يحافظ على هذه الصحافة كضرورة مجتمعية، وأقول الجميع وليس أهل المهنة فقط، فلا ديموقراطية بلا ثقافة وبلا كتاب يقرأ وبلا مسرح جاد وبلا صحافة قوية، وكل هذه الأشياء في مغرب اليوم آيلة للسقوط وأما مع هذه الحكومة الجديدة فكملات الباهية

المصدر : جريدة الأيام 24

GMT 12:45 2019 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

المغرب المحاصر

GMT 08:59 2019 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

المغرب والخليج بين ثورتين

GMT 07:54 2019 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

لغة تدريس العلوم والشعب المغبون

GMT 09:01 2019 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

لغة تدريس العلوم والشعب المغبون

GMT 06:38 2019 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

لعنة الله على الظالمين

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

للبيت أعمدة لا تحميه للبيت أعمدة لا تحميه



GMT 03:37 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

عبايات "دولتشي آند غابانا" لخريف وشتاء 2019
المغرب الرياضي  - عبايات

GMT 05:47 2023 الأحد ,03 أيلول / سبتمبر

أفضل 50 فندقاً حول العالم لعام 2023
المغرب الرياضي  - أفضل 50 فندقاً حول العالم لعام 2023

GMT 01:32 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
المغرب الرياضي  - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
المغرب الرياضي  -

GMT 01:21 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 وجهات أوروبية لقضاء عطلة الصيف
المغرب الرياضي  - أرخص 10 وجهات أوروبية لقضاء عطلة الصيف
المغرب الرياضي  - أخطاء تقعين فيها عند ترتيب مطبخكِ عليكِ تجنّبها
المغرب الرياضي  - رفض دعاوى

GMT 01:27 2021 الأربعاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

النهضة البركانية تواجه نادي "الجيش الرواندي"

GMT 05:31 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

إعتمد الليونة في التعامل مع الآخرين

GMT 04:01 2020 الأربعاء ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن نتيجة مسحتي فرجاني ساسي وأشرف بن شرقي

GMT 23:00 2017 الإثنين ,23 كانون الثاني / يناير

برشلونة يعلن عن إصابة لاعبه بوسكيتس في مباراة ايبار

GMT 14:42 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

السالمية الكويتي يبدأ مشواره العربي بلقاء الشبيبة الجزائري

GMT 02:25 2024 السبت ,07 كانون الأول / ديسمبر

السعودي الدهامي إلى كأس العالم لقفز الحواجز 2025

GMT 06:46 2021 الأحد ,25 إبريل / نيسان

لاعب رجاوي ينجو من حادثة سير خطيرة
 
moroccosports

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

moroccosports moroccosports moroccosports moroccosports
moroccosports moroccosports moroccosports
moroccosports

RUE MOHAMED SMIHA, ETG 6 APPT 602, ANG DE TOURS, CASABLANCA, MOROCCO.

Beirut Beirut Lebanon