اليسار يحاول العودة الى الجنة 22

اليسار يحاول العودة الى الجنة 2/2

المغرب الرياضي  -

اليسار يحاول العودة الى الجنة 22

بقلم عبد الحميد الجماهري

«ترسب الصدأ في لساني مثل طعم الاختفاء…
لم أقبل قيمة أخرى سوى الاستحالة» انطونيو غامونيدا

لا يمكن لليسار أن يبحث عن جنته، بالأحرى أن يدخلها وهو … مسرنم، أي يمشي نائما!لا بد له من أن يلسع نفسه بمحاورة جادة:
حول القيم، 
حول السلوك، 
حول تبرجزه الضائع بين الطبقات: لا هو في نفير الثورة ولا هو في عير التسويات.
ولا بد له أيضا من أن يسمي الهزيمة هزيمة، بدون أن يبحث في طلاسم الدولة أو البوليس الايديولوجي عن مبرر يعفيه من حرقة الأسئلة:
لقد وجد اليسار نفسه ضائعا عندما تعمدت الدولة أن تلبس لبوسه، وأن تعلن انتماءها إلى قيم الحداثة التي صارع من أجلها، وعوض أن تترك له الحداثة الفكرية وتتولى هي السكة الأخرى من الطريق المفضي إلى المستقبل، أي الحداثة المادية، تولتها كليا واستقسمت معه جزءا من قيمه.
لقد عممت نفسها في فضائه في حين هو دخل خوصصة نفسه حتى ضاق وصار غريبا!
فعاد الحاضر ضيقا والطريق إلى المستقبل أيضا ضيقة، ولم يستطع هو أن ينتقل إلى الجيل الثاني من حداثة السؤال:أي الحريات الفردية وحرية المعتقد وحرية الإبداع، ونفى نفسه في الجاهز من مطالبه القديمة. 
وعوض أن يروض نفسه على الأسئلة الجديدة كان يروضها على أجوبته القديمة:
لم يسأل نفسه:أي دولة أمامي الآن، وكيف يصنع القرار فيها وما هي التيارات التي تتصارع داخلها وتمتد إلى المجتمع.
ولم يسأل نفسه:كيف تخلق الدولة ضدين من ذاتها لكي تملأ المشهد بعيدا عنه!!
اعتبر اليسار في عز القوة أن المفارقة لا دخل لها في مستقبله، والحال أن جحيمه السابق كان هو مرادف جنته في بلاده، ولما خرج من الجحيم اعتقد أن الجنة تفاصيل صغيرة في الحديقة الخلفية للدولة، واستهان بقدرة هذه الأخيرة على التجدد على حسابه.
بتوضيح مفارق للغاية:تعب اليسار من جحيمه ولم ينتبه الى أنه تعب أيضا من جنته!
بالرغم من أن الكثير من تناقضاته الثانوية حلتها دينامية التاريخ السوي، فتقلصت مع ذلك الفوارق في ميدان السياسة بين اليسار واليسار:فلم يعد بند الانتخابات مشكلة بعد أن التحق الجميع باستراتيجية النضال المؤسساتي، ولم تعد الملكية مشكلة، بعد أن تحقق الحد الأدنى من جدلية الفشل ، في أن يقضي النظام أو تقضي الملكية على اليسار أو يحاول هو تلك الاستحالة..
ولم تعد الفوارق كبيرة في القضية الوطنية، منذ أن تولى الفقيد الكبير ابراهام السرفاتي تطبيع المصالحة، بالرغم من تأويل التفاصيل المتجدد..
ولم تعد التموقعات النقابية مشكلة، منذ أن حلت الدعوية محل التنظيم الطبقي، وأصبحت النقابة جزءا من الحل في السياسة أكثر منها جزءا من الصراع الطبقي!
والموعد مع التاريخ لم يعد لمقعد واحد هو اليسار، بل أصبح موعد بمقعدين:لليسار ولخصمه الايديولوجي وشريكه الاجتماعي، الأصولية المناهضة للدولة الحديثة!
بل لقد كان هذا الخصم سببا تاريخيا ، بتسليم اليسار بإمارة المؤمنين، وأصبح يطالب بتفعيلها في تدبير الوعي الديني للمجتمع ، وفي تحديد فصل الدين عن السياسة، دون أن يصل الشك إلى فصل الدين عن الدولة!
ولم يعد الشعب جاهزا ليحمل نعشه في الطرقات، ولا جاهزا لكي يرفع الرايات الحمراء في صناديق الاقتراع، الشعب بدوره تقلص حتى عاد بلا رقبة:جزء كبير من شعب اليسار المبَطّق أو العامل، اختار بطالة لا تعبر عن نفسه سوى بالغضب، أو بالنفور ولا بالبديل لأشياء لا داعي لكي يخفيها اليسار عن نفسه فيعتبر أن القضية قضية مزاج نفسي لا غير.. !
لقد تعدد اليسار بدون تعدد حقيقي في اليسارية، بل إن مبررات التاريخ والايديولوجيا والسياسة التي كانت تعلل تعدده وتناقضاته، تكاد تختفي اليوم أكثر من السابق ولم يرسملها في جوار حقيقي يوسع دائرة التيار الديموقراطي الحداثي، بالرغم من وجوده في حياة البلاد وحياة الناس!
إن عقدين من غياب اليسار عن نفسه حولت استحالته إلى ذات! وأصبح يعيش استحالته، بالرغم من الجدوى الاجتماعية الفعلية القائمة إليها، كموقع اجتماعي!
كانت قيم اليسار:نكران الذات، والتفاني واستقلالية الروح والفكرة، والتضامن والرفاقية والأخوية هي دجاجته التي تبيض ذهبا، فاعتقد أنه إذا أكلها سيصبح الذهب كله في بطنه، والحال أنه التهم الدجاجة وأضاع البيض!
ليست القيم التي تعود الآن سوى جرس عليه أن يسمعه:وعليه أن يعيد التفكير في ما يدور في رأس السمكة، التي فكك ذات توهج أفكارها ،وعلمته أن ينغمس وسط الجماهير لأن الجماهير بحره، عليه أن يعيد التفكير في ما يدور في رأس النملة، التي علمته ذات يوم كيف يصعد الجبل..بالرغم من الصليب الثقيل على كتفيه..
وعليه أن يعيد التفكير في أسلافه، فلا أحد تنكر لأسلافه وبقي على قيد الحياة، وعليه أن يكف عن حَوَلِهِ الايديولوجي المضاعف:يريد أن يقتل الآباء فيقتل الأبناء أولا. فيصادر مستقبله في أن يصير أبًا ذات يوم!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اليسار يحاول العودة الى الجنة 22 اليسار يحاول العودة الى الجنة 22



GMT 03:37 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

عبايات "دولتشي آند غابانا" لخريف وشتاء 2019
المغرب الرياضي  - عبايات

GMT 05:47 2023 الأحد ,03 أيلول / سبتمبر

أفضل 50 فندقاً حول العالم لعام 2023
المغرب الرياضي  - أفضل 50 فندقاً حول العالم لعام 2023

GMT 01:32 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
المغرب الرياضي  - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال

GMT 15:29 2013 الأربعاء ,09 كانون الثاني / يناير

عقوبات انضباطية بحقّ 41 لاعبًا كوريًا جنوبيًا

GMT 16:31 2020 الأحد ,05 إبريل / نيسان

رقم تاريخي يزين مسيرة حمد الله مع النصر

GMT 19:32 2019 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

الزمالك يتقدم بشكوى رسمية للفيفا ضد حمدى النقاز

GMT 22:31 2018 الجمعة ,12 تشرين الأول / أكتوبر

أشرف يثني على أجواء معسكر الأسود قبل مواجهة جزر القمر

GMT 09:34 2015 الأحد ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

"صلة" تحذر جماهير ديربي جدة من السوق السوداء

GMT 22:26 2017 السبت ,21 تشرين الأول / أكتوبر

بادو الزاكي يتابع مباراة الوداد واتحاد العاصمة

GMT 23:35 2016 الخميس ,29 كانون الأول / ديسمبر

سيباستيان دوسابر يحتج على مسؤولي الوداد البيضاوي
 
moroccosports

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

moroccosports moroccosports moroccosports moroccosports
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib