الوطنية ليست هي التماهي مع المواقف الرسمية

"الوطنية" ليست هي التماهي مع المواقف الرسمية

المغرب الرياضي  -

الوطنية ليست هي التماهي مع المواقف الرسمية

احمد عصيد

على هامش المنتدى الدولي لحقوق الإنسان "الوطنية" ليست هي التماهي مع المواقف الرسمية

في سياق الإعداد للمنتدى العالمي لحقوق الإنسان، صدر عن وزير الداخلية تصريح خطير يعتبر بموجبه أن السلطة لا يمكن لها أن تسمح باستعمال القاعات العمومية من طرف من يعارض التوجهات الرسمية، وهو تصريح يأتي بعد سلسلة قرارات المنع الممنهج التي انتهجتها السلطة ضدّ الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، وبعد أنواع العرقلة والتحرش بفاعلين حقوقيين من تنظيمات أخرى مختلفة. وقد برر الوزير هذه الحملة القمعية غير المسبوقة بكشف هؤلاء الحقوقيين عن خروقات السلطة في الأقاليم الصحراوية وفي ملف مكافحة الإرهاب.

تريد السلطة إذن حقوق الإنسان بمنظورها، وتريد فاعلين حقوقيين على مقاسها، وفي حدود خطابها الرسمي، والحقيقة أن الحقوقيين لو ظلّوا في بلدان العالم يخضعون للمواقف الرسمية لدولهم لما حدث أي تقدم في حقوق الإنسان عالميا، ولما خطت البشرية خطواتها المظفرة نحو مزيد من الكرامة.

وإذا كان ما حدث غير مستغرب من السلطة في بلد مثل المغرب، فإنّ المستغرب حقا أن تسعى إلى تلميع وجهها للظهور بغير صورتها الحقيقية.

تصريح الوزير (الذي يتظاهر بأنه الآمر الناهي في هذا الأمر وهو غير ذلك) هو إعلان لنهج فاشستي لا غبار عليه، مع سبق الإصرار والترصد، في عالم انتقل بعد تضحيات جسيمة من هيمنة الأنظمة الشمولية التحكمية على ثلثي الكرة الأرضية، إلى انفراج ديمقراطي عبّرت فيه العديد من الشعوب عن آمال عريضة في التحرر.

ما يصدم في تصريحات الوزير هو تجاهله للطرق اللاقانونية المعتمدة من طرف وزارته في الاعتداء على الحقوقيين، وهي الطرق التي تجعل كل حديث عن "الدولة" وعما هو "رسمي" حديثا بدون معنى، ما دام مفترضا أن كل دولة قائمة على القانون، وكل ما هو رسمي يتمّ في إطار القانون.

وما تجاهله وزير الداخلية في تصريحه هو أن القاعات العمومية ملك للدولة وليس للسلطة، وأنها رهن إشارة جميع مكونات المجتمع التي هي من المواطنين دافعي الضرائب، ومهما كانت مواقف هذه التيارات المختلفة مع أو ضدّ المواقف الرسمية، فإن حقها في استغلال القاعات والفضاءات العمومية مثل غيرها أمر غير قابل للمساومة أو إعادة النظر، كما ينبغي أن نذكر بأن المعارضة بجميع تجلياتها مؤسساتية أو خارج المؤسسات هي أساس دينامية الدولة والمجتمع وقوتهما، وأن محاولة جعل المعارضة محصورة في دائرة "إجماع" سياسي حول السلطة مضبوط ومراقب لا بد أن تبوء بالفشل، لأنها تسير في اتجاه معاكس للمنطق الديمقراطي.

وقد صرح الوزير للمجتمعين معه كما نشر في الصحافة بأن المنع الذي تقترفه وزارته لا يشمل الجميع، بل لا يخصّ إلا حالة جمعية بعينها هي الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، ورغم أن هذا الأمر غير صحيح لأن تنظيمات أخرى تعاني من التضييق والحظر، إلا أنه يظهر أن السلطة تسعى إلى عزل جمعية عن المنتظم الحقوقي المغربي والتطبيع مع حالة اضطهادها اليومي، مع العلم أن ما يحدث ضد الجمعية المذكورة أمر مدان وغير مقبول بجميع المقاييس.

وإذ لا نملك إلا أن نعبر عن شعورنا بالشفقة على وزير الاتصال والناطق الرسمي باسم الحكومة، بسبب تصريحاته التي تعكس المحنة التي يعيشها في منصبه الذي يشغله، فإننا نذكره بأن الأولى أن تتحمل الحكومة مسؤوليتها تجاه وزير موجود بين ظهرانيها، أو على الأقل أن تخجل من نفسها أمام ما يجري، عوض دعوة المتضررين من القمع إلى اللجوء إلى القضاء.

هل نحن بحاجة إلى التذكير بأنّ الحقوقيين ليسوا معارضين سياسيين ولكنهم ضمير الدولة، وواجبهم هو القيام بما تخشاه السلطة بالذات، أي فضح الخروقات والأخطاء والانحرافات بغرض وضع حدّ لها وتحقيق مزيد من الكرامة للمواطنين المغاربة. وعندما نقول الخروقات والأخطاء فإننا نقصد في الصحراء كما في أية بقعة أخرى ، وفي موضوع مكافحة الإرهاب كما في غيره من الملفات، وعلى السلطة الرشيدة أن تقبل بدور الحقوقيين وترضاه لأنه أساس التطور وضمان الاستقرار الطبيعي القائم على دوام العدل والمساواة ورفع الظلم.

وعلى المواطنين الذين ينخرطون في دعم السلطة ضد أمثالهم من المقهورين بهدف الحفاظ على بعض المصالح الصغيرة والمؤقتة، أن يعلموا بأنهم بوقوفهم ضد مسار التغيير إنما يعاكسون حقوقهم ويساهمون في صنع قيودهم بأنفسهم.

إننا نسير في اتجاه فبركة مفهوم جديد للوطنية يتمثل في تسييج النقاش العمومي والعمل الحقوقي والمدني وإلزام الجميع بالانخراط القسري في "إجماع" حول السلطة في هذا الملف أو ذاك، دون أن تلزم السلطة نفسها بالمقابل بتغيير أي شيء من عاداتها السيئة .

إن "حب الوطن" لا يمكن أن يتجسّد في التماهي مع السلطة ومسايرتها في كل اختياراتها بما فيها تلك التي تعدّ أخطاء كبيرة في حق المجتمع، بل هو في الجهر بالحق كلما اقتضى الأمر ذلك، وعلى الذين يقترفون الأخطاء وهم في مواقع القرار أن يكونوا أكثر غيرة على "صورة البلد" في الخارج، لأنهم وحدهم من يمسّ بها من الداخل.

GMT 08:06 2019 السبت ,15 حزيران / يونيو

طوق النجاة لمباحثات الخرطوم

GMT 08:03 2019 السبت ,15 حزيران / يونيو

من قراءات الأسبوع

GMT 07:46 2019 السبت ,15 حزيران / يونيو

كيف نتصدى لإيران في الخليج؟

GMT 07:44 2019 السبت ,15 حزيران / يونيو

عيون وآذان (محمد بن زايد يعرف مصالح الإمارات)

GMT 07:42 2019 السبت ,15 حزيران / يونيو

قراءة نيابية في الموازنة قبل المجلس الدستوري

GMT 07:40 2019 الجمعة ,14 حزيران / يونيو

الإيماءات الدبلوماسية لن تحل المشكلة الإيرانية

GMT 07:38 2019 الجمعة ,14 حزيران / يونيو

عيون وآذان (إرهاب إسرائيلي يؤيده ترامب)

GMT 07:36 2019 الجمعة ,14 حزيران / يونيو

سعد الحريري ورفض الأمر الواقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الوطنية ليست هي التماهي مع المواقف الرسمية الوطنية ليست هي التماهي مع المواقف الرسمية



GMT 03:37 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

عبايات "دولتشي آند غابانا" لخريف وشتاء 2019
المغرب الرياضي  - عبايات

GMT 05:47 2023 الأحد ,03 أيلول / سبتمبر

أفضل 50 فندقاً حول العالم لعام 2023
المغرب الرياضي  - أفضل 50 فندقاً حول العالم لعام 2023

GMT 01:32 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
المغرب الرياضي  - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال

GMT 19:26 2021 الإثنين ,11 كانون الثاني / يناير

شتوتجارت يكتسح أوجسبورج برباعية في الدوري الألماني

GMT 18:34 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

البنزرتي يُؤكِّد عودته للوداد رغم المشاكل التي يُعانيها

GMT 13:37 2018 الأحد ,21 تشرين الأول / أكتوبر

مدرب الوداد يستدعي الكوثري لمواجهة مولودية وجدة

GMT 14:24 2013 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

توفيق اجروتن لم يلتحق بفريق "الأمل"

GMT 23:53 2018 السبت ,28 إبريل / نيسان

سيباستيان فيتل يسجل أسرع زمن في" فورمولا1"

GMT 02:55 2014 الأحد ,05 تشرين الأول / أكتوبر

يوسف العربي يتألق ويسجل ضد مالقة رغم الخسارة

GMT 16:41 2018 الإثنين ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

المغرب الفاسي يفوز على أمل الوداد وينفرد بالصدارة

GMT 02:20 2015 السبت ,17 تشرين الأول / أكتوبر

إيقاف مهاجم "المغرب التطواني" بورزوق لمدة ست مباريات

GMT 09:40 2014 الأحد ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

"مانيونايتد" يلتقي "السيتيزن" في صراع السباق على الصدارة
 
moroccosports

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

moroccosports moroccosports moroccosports moroccosports
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib