الأرض لا تشرب الدم

الأرض لا تشرب الدم

المغرب الرياضي  -

الأرض لا تشرب الدم

توفيق بو عشرين

تحت هذا الشعار خرج الآلاف في مصر الجمعة الماضية لإحياء الذكرى الثانية لمذبحة رابعة. منظمة العفو الدولية أطلقت على ذلك اليوم، الذي قتل فيه أكثر من 3000 مواطن، «يوم مصر الأسود». إنه اليوم الذي اختار فيه الجنرال السيسي أن يعمد بالدم انقلابه العسكري، وأن يقتل الآلاف من أنصار الرئيس المنتخب. لم يكن أكثر المتحمسين لإزاحة الإخوان من الحكم يتوقعون أن يعطي الجنرال وكتيبته الأمر إلى الجنود للضرب «في المليان» ضد معتصمين، رجالا ونساء وأطفالا، كل ذنبهم أنهم تسلحوا بالاعتصام السلمي للدفاع عن حرمة صندوق الاقتراع، وصيانة شرعية ثورية وجدوا أن الثورة المضادة تأكلها قطعة واحدة…

المشاهد المروعة للجرائم ضد الإنسانية التي صاحبت فك اعتصام رابعة والنهضة مازالت موجودة على قناة يوتيوب، وتقريرا هيومان رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية «أمنيستي» حفرا للجريمة عنوانا وتفاصيل وشهودا ومجرمين ووقائع وضحايا لن ينساهم التاريخ أبدا، فالدم لا يتقادم، والجرائم السياسية لا تدفن في القبور مع ضحاياها، ومهما حفر الجنرال من تفريعات على قناة السويس فلن يدفن جريمة الانقلاب وما تبعها من خطايا سترهن مستقبل البلاد لعقود طويلة.

 مجزرتا رابعة والنهضة كانتا اختبارين قاسيين لضمائر كل البشر على هذه الأرض، ومدى انتصارهم لحقوق الإنسان وللحق في الحياة، بغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف مع جماعة الإخوان المسلمين ومع مشروعها السياسي والفكري. للأسف، قلة نجحت في الاختبار شرقا وغربا، فيما الأكثرية وقفوا في صف القاتل خوفا أو طمعا، فيما رأى الآخرون أن الاختلاف السياسي مع الضحية يمنعهم من إنصافه وإعطائه حقه في أن يعيش خارج السجن أو القبر أو المنفى.

العلامة الصفراء بأربعة أصابع ستظل معلقة فوق رأس السيسي ونظامه حتى تتغير الأوضاع التي حملت العسكر المصري، بتشجيع إسرائيلي خليجي غربي، إلى السلطة.

فائض العنف والكراهية والرصاص الذي يلعلع في القاهرة والإسكندرية وسيناء ومدن الصعيد كل يوم لا يقتل بشرا من لحم ودم فقط، لكنه يقتل أيضا سماحة المصريين، وروح التعايش والوئام بينهم.. يقتل طبيعة المصري المسالم. الأخبار القادمة من وسط جماعة الإخوان المسلمين تقول إن تيار الشباب بات يضيق ذرعا باستراتيجية «سلميتنا أقوى من الرصاص»، التي أعلنها محمد بديع، مرشد الجماعة، قبيل اعتقاله، وأن جبهة النصرة والقاعدة بعثت رسائل كثيرة إلى شباب الإخوان تعرض عليهم الانتقال إلى حمل السلاح في وجه النظام، والتخلي عن النضال السلمي إزاء نظام لديه رخصة مفتوحة لقتل المصريين في الشوارع والبيوت والسجون بأحكام القضاء الفاسد أو بدونها، والمؤسف أن دعوات القاعدة والنصرة وغيرها من التنظيمات المتطرفة بدأت تلقى آذانا صاغية لدى شباب لا يملكون الصبر على رؤية أهلهم وإخوانهم وعائلاتهم يموتون بدم بارد في أرض مصر. وفيما يراهن الشيوخ على بعث شرارة الثورة من رمادها مرة أخرى، وإعادة تحريك الشارع كما وقع في يناير 2011، يراهن الشباب على إنهاك العسكر بعمليات محدودة تدفع قيادات الصف الثاني في الجيش إلى القيام بانقلاب عسكري على السيسي، وآنذاك تفتح بوابة التفاوض مع الحكام الجدد على نوع من المصالحة، حتى وإن لم يعد مرسي إلى السلطة، لأن عودة هذا الأخير صارت مستبعدة جدا في ظل الأوضاع الراهنة داخليا وخارجيا، وبسبب الأخطاء التي ارتكبها الإخوان عندما لم يقرؤوا جيدا خريطة المنطقة، ودرجة الرفض والخوف الكبيرين من الجماعة ومشروعها لدى القوى الإقليمية والدولية… كان على الإخوان ألا يبلعوا من السلطة ما لا يقدرون على هضمه، وأن يعرفوا أن ثورة يناير لم تكن ثورة كاملة، وأن الذي سقط هو رأس النظام، فيما مؤسساته ودولته العميقة بقيت قائمة، وبيدها أسلحة فتاكة تستطيع أن تلتف بها على صندوق الاقتراع وإرادة المصريين. كان الأولى -وقد كتبت هذا الرأي في حينه وليس بأثر رجعي- ألا يتقدم الإخوان إلى الرئاسة، وأن يبحثوا عن توافقات واسعة مع القوى الأخرى، وأن يركزوا على تفكيك الدولة العميقة، وعدم التسرع في الذهاب إلى الانتخابات وحسم المعركة بقانون الأغلبية والأقلية، وكأن مصر هي سويسرا، لكن هذا شيء، وقبول قتل الإخوان واجتثاثهم من الأرض كمواطنين مصريين شيء آخر تماما.

 لقد ضغطت السعودية والإمارات والقاهرة على حكومة دايفد كامرون في بريطانيا لتصنيف الإخوان المسلمين جماعة إرهابية تتوسل بالعنف للوصول إلى الحكم، فكلف الداهية البريطاني سفيرا إنجليزيا سابقا في الرياض، اسمه السير جون جينكينز، وطلب منه ترؤس فريق خبراء يفتشون في تاريخ وفكر وسياسة ووثائق الجماعة بحثا عما يدينها بالإرهاب، ولما انتهت اللجنة إلى خلاصة أن الجماعة الإسلامية الأكبر في العالم العربي ليست إرهابية، طوى كاميرون أوراق التقرير، ودعا سفيره إلى تأجيل إعلان النتائج حفاظا على مصالح بريطانيا مع أصدقائها.

لقد جرب جنرالات أمريكا اللاتينية سياسة الانقلابات الدموية في دولهم، وخيار اجتثاث خصومهم من على الأرض، حتى إن الجنرال سيئ الذكر بينوشيه في الشيلي تعب من قتل معارضيه، فأعطى أوامره للجيش بأن يحملوا آلاف المعارضين مكبلي الأيدي والأرجل في الطائرات ويلقوا بهم في عرض البحر للتخلص منهم ومن جثثهم، ثم ماذا كانت النتيجة؟ فشل مشروع الانقلاب، وانتهى بينوشيه ديكتاتورا مطاردا في كل دول العالم، ورجع ضحاياه إلى السلطة أقوى مما كانوا، لهذا السيسي وفريقه يجربان خيارا لم ينجح حتى في السبعينات، عندما كان العالم مقسما إلى شرقي وغربي، إلى رأسمالي وشيوعي، ولم تكن لحقوق الإنسان القيمة نفسها والاعتبار ذاته، فما بالك اليوم والعالم ينفر من الأنظمة العسكرية ومن خشونة الاستبداد.

 

GMT 08:06 2019 السبت ,15 حزيران / يونيو

طوق النجاة لمباحثات الخرطوم

GMT 08:03 2019 السبت ,15 حزيران / يونيو

من قراءات الأسبوع

GMT 07:46 2019 السبت ,15 حزيران / يونيو

كيف نتصدى لإيران في الخليج؟

GMT 07:44 2019 السبت ,15 حزيران / يونيو

عيون وآذان (محمد بن زايد يعرف مصالح الإمارات)

GMT 07:42 2019 السبت ,15 حزيران / يونيو

قراءة نيابية في الموازنة قبل المجلس الدستوري

GMT 07:40 2019 الجمعة ,14 حزيران / يونيو

الإيماءات الدبلوماسية لن تحل المشكلة الإيرانية

GMT 07:38 2019 الجمعة ,14 حزيران / يونيو

عيون وآذان (إرهاب إسرائيلي يؤيده ترامب)

GMT 07:36 2019 الجمعة ,14 حزيران / يونيو

سعد الحريري ورفض الأمر الواقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الأرض لا تشرب الدم الأرض لا تشرب الدم



GMT 03:37 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

عبايات "دولتشي آند غابانا" لخريف وشتاء 2019
المغرب الرياضي  - عبايات

GMT 05:47 2023 الأحد ,03 أيلول / سبتمبر

أفضل 50 فندقاً حول العالم لعام 2023
المغرب الرياضي  - أفضل 50 فندقاً حول العالم لعام 2023

GMT 01:32 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
المغرب الرياضي  - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال

GMT 07:48 2016 الأربعاء ,08 حزيران / يونيو

مجموعة من لاعبي الوداد مرشحون لمغادرة الفريق

GMT 13:31 2021 الثلاثاء ,29 حزيران / يونيو

بعد وداع اليورو زيدان يقترب من تدريب منتخب فرنسا

GMT 03:33 2021 الجمعة ,26 آذار/ مارس

اللافي يحرز ثنائية في خسارة ليبيا من تونس

GMT 19:44 2021 الأربعاء ,24 شباط / فبراير

احتمال رحيل زكريا لبيض عن الأجاكس

GMT 23:20 2021 الإثنين ,18 كانون الثاني / يناير

الوداد يستعيد نجمين بارزين قبل العودة للدوري الاحترافي

GMT 23:08 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

5 غيابات للوداد أمام الدفاع الجديدي
 
moroccosports

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

moroccosports moroccosports moroccosports moroccosports
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib