الأغلبية الصامتة

الأغلبية الصامتة

المغرب الرياضي  -

الأغلبية الصامتة

بقلم : توفيق بو عشرين

أكثر من 20 مليون مغربي اختاروا عدم المشاركة في اقتراع السابع من أكتوبر لأسباب عدة، منها ما هو سياسي، ومنها ما هو اجتماعي، ومنها ما هو ثقافي… الذين قاطعوا صندوق الاقتراع سياسيا كانت فكرتهم كالتالي: لا جدوى من المشاركة في انتخابات لا تقدم ولا تؤخر، فالقرار بيد الملك ومحيطه، والانتخابات ما هي إلا ديكور لتأثيث المشهد، وإخفاء الوجه السلطوي للنظام خلف مظهر ديمقراطي. هؤلاء يعرفون ما لا يريدون، لكنهم لا يعرفون الطريق إلى ما يريدون، ولهذا يشهرون الورقة الحمراء في وجه المشاركة، ويخرجون من الملعب أملا في حدوث معجزة!
الذين يقاطعون الانتخابات اجتماعيا فئتان؛ الأولى لا تنتظر شيئا من الانتخابات ولا من الحكومة ولا من البرلمان، إما لأن هذه الفئة «مرتاحة ماديا»، أو يائسة سياسيا، أما الفئة الثانية فهم الذين لا وقت لديهم للذهاب إلى صناديق الاقتراع في يوم عمل وفي يوم الجمعة، حيث تأخذ الصلاة منهم حوالي ساعتين وسط النهار.
أما الذين لم يشاركوا في الاقتراع من منطلق ثقافي، فهم أولئك الذين لا يبالون بالسياسة ولا بالأحزاب ولا بمجريات الحياة العامة، وجل هؤلاء شباب مشغولون بحياتهم الخاصة، وبتدبير مساراتهم الفردية، وبالعيش في البلاد بأجسادهم، لكن عقولهم في الخارج، واهتمامهم في الأنترنت، وتفكيرهم في خارج مجريات الأحداث، لأن قنوات التنشئة السياسية غائبة، ولأن الأحزاب نائمة، ولأن الإعلام، الرسمي وغير الرسمي، لا يصل إلى هؤلاء الذين لم يعد يربطهم بالمغرب سوى خيط الأنترنت.
في غياب دراسات سوسيولوجية عميقة حول المشاركة السياسية في المغرب، وفي غياب استطلاعات رأي علمية حول ظاهرة العزوف، يمكن القول إن الفئات الثلاث هي التي تقتسم 20 مليون اسم خارج صندوق الاقتراع. لكن، ما هي الأسباب التي تجعل 20 مليون مغربي، من أصل 27 مليونا وصلوا إلى سن الرشد السياسي يوم السابع من أكتوبر، يقاطعون الانتخابات، و يفضلون الجلوس في منازلهم؟ أظن أن الأسباب كثيرة، لكن أهمها ما يلي:
1- مازال جل المغاربة لا يثقون في قدرة السياسة على إحداث التغيير في المعيش اليومي، ولا يرى هؤلاء أن الانتخابات والأحزاب والبرلمان والحكومة، وكل مؤسسات التدبير الديمقراطي للشأن العام، قادرة على تحسين أوضاعهم، وإشراكهم في الحكم الذي يرونه في أيدٍ قليلة لا تريد أن تقتسمه مع احد، رغم أن هذه الفئة بدأت تخسر بعض زبنائها من الطبقات الوسطى، التي بدأت تشارك في الانتخابات، وبدأت تستعمل صندوق الاقتراع مكبرا لصوتها، لكن الطريق مازال طويلا لإضعاف «حزب المقاطعة» الذي لا يؤطره أحد سوى حزب المشاركة عندما لا يعطي المثال الحي على جدوى الاقتراع.
2- الموقف الرسمي للدولة هو إضعاف المشاركة في الانتخابات، وإجراء اقتراع بأقل عدد من المصوتين، ولهذا تتكفل وزارة الداخلية بوضع خطة متكاملة لإبعاد المغربي عن صندوق الاقتراع بواسطة آليات عدة، في مقدمتها اللوائح الانتخابية التي يدعى المواطنون إلى التسجيل فيها أسابيع قبل انطلاق الحملة الانتخابية (تثبت جل الإحصائيات في الدول الديمقراطية أن حوالي 20٪‏ من الناخبين يقررون المشاركة في الانتخابات من عدمها في وقت الحملة الانتخابية، ولهذا تنصب حملات الأحزاب والمرشحين على دعوة المواطنين إلى المشاركة في الاقتراع أثناء الحملة، فيما نحن في المغرب نعقد المشاركة بضرورة التسجيل في اللوائح الانتخابية، وعدم اعتبار كل مواطن بلغ سن 18 سنة ناخبا مفترضا. لقد اكتشف عدد كبير من المواطنين أن شهيتهم قد فتحت للمشاركة أثناء الحملة الانتخابية، لكنهم وجدوا أنفسهم غير مسجلين في اللوائح الانتخابية التي أغلق باب التسجيل فيها قبل بداية الحملة).
أما تجربة التسجيل الإلكتروني في اللوائح، فإن وزارة الداخلية سرعان ما تراجعت عنها بعدما جربتها في 2015، لسبب بسيط هو أن التجربة كانت ناجحة، حيث أقبل حوالي مليون شاب على التسجيل في هذه اللوائح دون أن يضطروا إلى الوقوف بباب الإدارة التي يكرهها جل المغاربة.
3- الذي يفاقم عزوف المواطنين عن المشاركة في الانتخابات هو ضعف الأحزاب السياسية، وتراخي قدرتها على تأطير المواطنين وتعبئتهم، وإقناعهم بالمشاركة بالتصويت أولا، وباستعمال الصندوق أداة لعقاب هذا ومكافأة ذاك ثانيا، فلو افترضنا أن أحزابا «عريقة»، مثل الاتحاد الاشتراكي والاستقلال والتقدم والاشتراكية، وأخرى «قديمة»، مثل الأحرار والحركة الشعبية والاتحاد الدستوري، كانت بخير، واستطاع كل واحد من هذه الأحزاب أن يستقطب عددا من الأصوات يماثل أو يقترب مما حصل عليه حزب العدالة والتنمية من أصوات (مليونا صوت)، لكنا إزاء مشاركة 12 أو 13 مليون ناخب في اقتراع أكتوبر، أما وإن الأحزاب الوطنية قد دخلت إلى مرحلة الموت البطيء، لأسباب داخلية وأخرى خارجية، فإن قطاعات واسعة من الشعب أصبحت بدون تأطير، وهي لا ترى في الصورة إلا الملك يشتغل كل يوم، ويسافر، ويدشن المشاريع الكبرى، ويلتقط السيلفي مع الشباب، ويعزي في الذي مات، ويعفو عن المسجونين، ويغضب على المسؤولين، ويوزع الهبات على الضعفاء، فيظن الشعب أن هذا يغني عن الانتماء إلى الأحزاب وعن التصويت.
نحن بلاد لم تصل إلى درجة «الإشباع السياسي» لنقول إننا واقعون في ظاهرة العزوف العالمية عن الانتخابات، ونحن بلاد مؤسساتها مازالت هشة، وديمقراطيتها هشة، وتعدديتها هشة، ومجتمعها مليء بالانقسامات والعنف واللاتسيس، ولهذا، فإن المشاركة السياسية رقم استراتيجي في معادلة استقرار البلاد، والثقة في نظامها، وتأطير شعبها، أما المسؤولية فمشتركة بلا جدال.

GMT 06:02 2018 الأحد ,25 شباط / فبراير

حان وقت الطلاق

GMT 07:26 2018 الجمعة ,23 شباط / فبراير

سلطة المال ومال السلطة

GMT 06:39 2018 الخميس ,22 شباط / فبراير

لا يصلح العطار ما أفسده الزمن

GMT 05:46 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

الطنز الدبلوماسي

GMT 05:24 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

القرصان ينتقد الربان..

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الأغلبية الصامتة الأغلبية الصامتة



GMT 03:37 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

عبايات "دولتشي آند غابانا" لخريف وشتاء 2019
المغرب الرياضي  - عبايات

GMT 05:47 2023 الأحد ,03 أيلول / سبتمبر

أفضل 50 فندقاً حول العالم لعام 2023
المغرب الرياضي  - أفضل 50 فندقاً حول العالم لعام 2023

GMT 01:32 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
المغرب الرياضي  - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال

GMT 17:43 2019 الأربعاء ,12 حزيران / يونيو

وكيل أعمال رمضان صبحي يكشف مصيره مع الأهلي

GMT 17:01 2023 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

ديوكوفيتش يسعى للفوز بذهبية أولمبياد باريس

GMT 14:40 2021 الثلاثاء ,16 آذار/ مارس

وفاة أحمد المغيربي أسطورة الملعب التونسي

GMT 23:01 2020 الأربعاء ,04 آذار/ مارس

طاليب يرفض إراحة لاعبيه قبل الديربي

GMT 20:26 2020 الإثنين ,10 شباط / فبراير

البطولة الاحترافية نتائج المباريات المؤجلة

GMT 16:42 2020 الإثنين ,20 كانون الثاني / يناير

أمرابط يفلت من كمين بولونيا
 
moroccosports

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

moroccosports moroccosports moroccosports moroccosports
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib