لعنة النفط

لعنة النفط

المغرب الرياضي  -

لعنة النفط

توفيق بو عشرين

بشرى سارة للشعوب العربية التواقة إلى السلم والديمقراطية.. النفط نزل يوم أمس، ولأول مرة منذ 12 سنة، إلى ما دون 30 دولارا للبرميل. هذا معناه أن أنظمة الريع النفطي وديكتاتوريات الشرق الأوسط وإمارات شراء السلم الاجتماعي مقابل الرفاه المادي ستعيش أسوأ أيامها، وستبدأ في إجراءات جديدة تقشفية، بما في ذلك التقشف في القمع والحروب وتغذية بؤر التوتر المنتشرة في المشرق والمغرب العربي.
للأسف الشديد، المال في يد المتسلط لا ينتج إلا الحروب والاستبداد والريع والتفاوتات الاجتماعية والتبعية للأجنبي، وهذا حال دول النفط العربي التي بددت ثروات هائلة في 50 سنة الماضية، كانت كافية لتجعل من العالم العربي منطقة مزدهرة ومتطورة، وملجأ للحياة المستقرة، لكن انظروا اليوم إلى الخريطة.. العراق أصبح وكرا لداعش، وأصبحت فيه المليشيات الطائفية أقوى من الجيش، وسوريا تغرق كل يوم في حرب أهلية مدمرة، واليمن صار ساحة حرب مفتوحة بين الرياض وطهران، فيما القاعدة وداعش يستغلان هشاشة الوضع، ويعيدان بناء دولة جديدة ستعلن قريبا. السعودية، أول منتج للنفط في العالم بـ12 مليون برميل للنفط في اليوم، وصل عجز ميزانيتها السنة الماضية إلى 100 مليار دولار، وهي الآن عالقة في حربين ساخنتين في اليمن وسوريا وثالثة باردة مع إيران، أما ليبيا فإنها عادت إلى الزمن القبلي، ولم يعد يوحد أهلها سوى التطلع إلى عائدات النفط التي توزع على المليشيات كل شهر لكي يستمر القتال على أشده بين الليبيين.
انخفاض أسعار النفط خبر سار لأنه سيدفع الحكومات التي تعتمد على ريعه إلى مراجعة أوراقها، وإليكم لائحة المراجعات المُحتملة في السياسات المستقبلية بالمنطقة:
السعودية ستبدأ في التمهيد للخروج من حرب اليمن المكلفة جدا، خاصة أن الحوثيين بدؤوا يقصفون المدن الحدودية، واضطرت السلطات السعودية إلى تهجير أكثر من 10 آلاف سعودي مخافة سقوط صواريخ علي عبد الله صالح على رؤوسهم في نجران، كل هذا له تكلفة مالية كبيرة، بالإضافة إلى تكلفة ملايين الدولارات التي تصرفها الرياض كل يوم على الحكومة اليمنية العاجزة عن بناء ذاتها… إذا أضفنا إلى كل هذه المصاريف مبالغ أخرى تذهب إلى أصدقاء الرياض في سوريا لتبقى الحرب مستمرة، وإذا عرفنا أن أغلبية المواد مدعمة في السعودية، وأن البلاد تعتمد على مصدر شبه وحيد لميزانيتها وهو النفط، وأن النظام الضريبي شبه معدوم في مملكة السعودية لأن الصفقة مع الشعب تقوم على احتكار السلطة وتوزيع عائدات النفط على مراكز النفوذ في الأسرة الحاكمة والقبائل النافذة والجماعات الوهابية، فلنا أن نتصور أن العجز في ميزانية السعودية لهذا العام سيفوق عجز السنة الماضية، وستبدأ الاحتياطات في النزول، وستخرج الحكومة للاقتراض من الخارج، ومع القروض تدخل الضغوط والشروط ومدونات السلوك السياسي والاقتصادي وحتى الثقافي.
العراق يمول حربا كبيرة يشارك فيها جيشان، الأول نظامي ضعيف وفاسد، والثاني غير نظامي يتكون من مليشيات الحشد الشعبي الموزعة الولاءات بين الأحزاب الطائفية والمرجعيات الدينية، وهؤلاء يتجاوز عددهم 200 ألف تَرَكُوا تجارتهم ووظائفهم، وحملوا السلاح وتوجهوا لقتال داعش في المناطق السنية. كل هؤلاء يتقاضون أجورا عليا وتعويضات كبيرة وامتيازات لكي يخاطروا بحياتهم للدفاع عن ساسة المنطقة الخضراء، وكل هذا يخرج من عائدات النفط، ولهذا فان تراجع هذه العائدات معناه تراجع الطاقة التي تمول الحرب، وتراجع نفوذ الحكومة المركزية، وتراجع نظام شراء الولاءات، وبالتالي، سيفكر الجميع في طرق أخرى للتفاهم.
إيران العائدة إلى الاقتصاد العالمي هي الأخرى ستراجع حساباتها، كما أن أولوياتها ستتغير، فهي كانت تمسك بأوراق الأزمات في المنطقة لتفاوض أمريكا وأوروبا ولتخفيف الحصار عن بلادها، الآن حصلت على 150 مليار دولار من أموالها التي كانت مجمدة في بنوك الغرب، وأول أمس رفع الحصار الأمريكي عنها تطبيقا لاتفاقية فيينا، ويوم أمس ارتفع معدلها اليومي من إنتاج النفط إلى 500 ألف برميل، وهي تستعد لاستقبال مئات الملايير من الاستثمارات الأجنبية، ومن ثمة تحتاج إلى استقرار، وتحتاج إلى مال لتصرفه على شعبها، فلم يعد من الممكن التذرع بالحصار الغربي على الجمهورية الإسلامية لتبرير الصعوبات الاقتصادية للمواطن الإيراني، ولهذا، فإن تدخلها قد يقل في المنطقة، خاصة إذا اتجهت السعودية إلى تبريد اللعب في سوريا واليمن…
الجزائر جارتنا المريضة ستعاني أكثر مع نزول سعر النفط، ورئيسها، شفاه الله، استبق كل هذا بإعلان حزمة تعديلات دستورية بعد وعد دام أربع سنوات، في محاولة لشراء السلم الاجتماعي بالانفتاح السياسي، فيما كانت الصفقة قبل أربع سنوات هي شراء السلم الاجتماعي مقابل الريع الاقتصادي، من خلال توظيف الشباب العاطل في الإدارة، وزيادة أجور الموظفين، وزيادة قيمة دعم المواد الاستهلاكية، وكل هذا من الصعب التراجع عنه الآن، وفي المقابل، فإن الانفتاح السياسي المقترح سقفه نازل جدا في ظل الاستعدادات الجارية لترتيب خلافة بوتفليقة.
نزول سعر النفط، إذن، في أنظمة ريعية ليس خبرا سيّئا، رغم أن له كلفة اقتصادية واجتماعية، لكن مادام المال النفطي لا يغذي الصناعة ولا التجارة ولا التعليم ولا الابتكار ولا الحكم الجيد، فعلى الأقل، يجب ألا يمول جيوب الاستبداد ومدافع الحرب.

GMT 06:58 2018 الخميس ,02 آب / أغسطس

إيران وعقوبات من الذهب إلى السجاد

GMT 02:30 2018 الأربعاء ,18 تموز / يوليو

النفط وتسعير المحروقات… أخطر أسرار الاْردن!

GMT 06:54 2016 الثلاثاء ,09 آب / أغسطس

هل تنتهي الأوبامية الحيادية؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لعنة النفط لعنة النفط



GMT 03:37 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

عبايات "دولتشي آند غابانا" لخريف وشتاء 2019
المغرب الرياضي  - عبايات

GMT 05:47 2023 الأحد ,03 أيلول / سبتمبر

أفضل 50 فندقاً حول العالم لعام 2023
المغرب الرياضي  - أفضل 50 فندقاً حول العالم لعام 2023

GMT 01:32 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
المغرب الرياضي  - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال

GMT 15:29 2013 الأربعاء ,09 كانون الثاني / يناير

عقوبات انضباطية بحقّ 41 لاعبًا كوريًا جنوبيًا

GMT 16:31 2020 الأحد ,05 إبريل / نيسان

رقم تاريخي يزين مسيرة حمد الله مع النصر

GMT 19:32 2019 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

الزمالك يتقدم بشكوى رسمية للفيفا ضد حمدى النقاز

GMT 22:31 2018 الجمعة ,12 تشرين الأول / أكتوبر

أشرف يثني على أجواء معسكر الأسود قبل مواجهة جزر القمر

GMT 09:34 2015 الأحد ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

"صلة" تحذر جماهير ديربي جدة من السوق السوداء

GMT 22:26 2017 السبت ,21 تشرين الأول / أكتوبر

بادو الزاكي يتابع مباراة الوداد واتحاد العاصمة

GMT 23:35 2016 الخميس ,29 كانون الأول / ديسمبر

سيباستيان دوسابر يحتج على مسؤولي الوداد البيضاوي
 
moroccosports

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

moroccosports moroccosports moroccosports moroccosports
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib