مراجعات الإخوان والتخبط السياسي

مراجعات الإخوان والتخبط السياسي

المغرب الرياضي  -

مراجعات الإخوان والتخبط السياسي

بقلم - ادريس الكنبوري

منذ ثورة يناير المصرية عام 2011 وجماعة الإخوان المسلمين، الجماعة الأم في العالم العربي، تعيش أزمة عميقة على مستوى الخط الفكري والمسار الثوري الذي تنشده لطبيعة التغيير، ونوعية العلاقة بالفرقاء الآخرين، ونوعية الرؤية إلى السلطة والدولة. وقد أظهرت مرحلة محمد مرسي، قبل عزله، حالة من الارتباك في تدبير شؤون الحكم، تمثلت بوجه خاص في الاختيار الانفرادي بعيدا عن الآخرين، ومحاولة تعويم الجماعة داخل مفاصل الدولة، وشرعنة أعمال العنف باسم الثورة، وتقسيم المجتمع إلى أخيار وأشرار، وارتهان الحزب للجماعة والخضوع لها، بحيث صار التوجه أقرب ما يكون إلى حكم الولي الفقيه في إيران: دولة في قبضة جماعة دينية.

واجهت الجماعة ما بعد عزل مرسي خيارين: الخيار الأول هو الاستمرار في نفس المسار التقليدي القديم، وهذا له تبعاته السياسية والتنظيمية، ذلك أنه من ناحية يقلل من فرص اندماج الجماعة مجددا في المجتمع المصري ويعزلها عن محيطها بما يحكم عليها بالموت، ومن ناحية ثانية يضعها في مواجهة تيار تصحيحي يتمثل على الخصوص في فئة من الشباب التي تنظر إلى المسار التقليدي للجماعة بوصفه كابحا للتطوير.

أما الخيار الثاني فهو امتلاك الجرأة على محاسبة النفس ومراجعة الموقف والفكر، ولكن هذا الخيار أيضا له تبعاته، من بينها أن يقزم سيطرة الحرس القديم على الجماعة، ويمس بالهوية الأيديولوجية التي اتسمت بها طيلة نحو ثمانية عقود، وقد يصل مداه إلى التشكيك في فكر المؤسسين التاريخيين بوضعهم على مشرحة النقد.

من هنا فإن خروج التيار التصحيحي داخل الجماعة بورقة المراجعات التنظيمية والفكرية والسياسية، والاعتراف بجملة أخطاء ارتكبتها قيادتها في المراحل السابقة هو اختراق نوعي حتى الآن. فقد اعترفت الورقة بأن أدبيات الجماعة مليئة بالفكر الثوري منذ نشأة دعوتها وطوال فترة وجود المؤسس حسن البنا وجيله من خلال الكتابات التنظيرية، واعترفت بالخلل الذي اعتور العلاقة بينها وبين الفرقاء الآخرين في مصر، والرهان الزائد على الدولة والحكم، والتخبط الإعلامي في التعاطي مع مسائل الثورة في مصر، والتركيز على بقاء التنظيم على حساب نجاح الثورة.

لكن الاطلاع على الوثيقة المنشورة يجعل عبارة “المراجعات”ـ التي انزلق الكثيرون إلى الترحيب بها في مصر وخارج مصرـ ليست العبارة السليمة التي توصف بها. فهي إعادة تقويم لمسار الجماعة، أو لنقل إنها إعادة نظر في التكتيك فحسب، مع إبقاء الإستراتيجية على حالها، الأمر الذي يعكس نوعا من التخبط السياسي. وربما لهذا السبب سارعت الجماعة إلى نفي صلتها بتلك الوثيقة، لأنها تثير القلق أكثر مما تدعو إلى الارتياح، ولأن الواضح أنها لم تراجع شيئا في سلوك الجماعة وفكرها بل جددت الثقة فيهما معا، مع إعادة النظر في المسلكيات التي انتهجتها الجماعة في المرحلة الماضية للوصول إلى أهدافها التي لم تتغير.

تنتقد الوثيقة عدم انتشار أبناء الجماعة في الوظائف السيادية للدولة المصرية، أي الشرطة والقضاء والقوات المسلحة والمخابرات العامة والسلك الدبلوماسي، ما جعل الإخوان بعد تسلمهم الحكم يتأثرون بغياب التجربة والحنكة السياسية في تدبير شؤون الدولة. فالوثيقة من هذه الناحية تتضمن إشارة إلى الطموح التقليدي للجماعة في بسط يدها على الدولة وتحويلها إلى كيان خاضع لها، لكنها تنتقد الأساليب التي تم نهجها، بحيث لم يتم التغلغل في مؤسسات الدولة طيلة العقود الماضية من أجل تيسير المهمة بعد الوصول إلى الرئاسة.

كما تؤكد الوثيقة أن العلاقة الأمنية مع الدولة المصرية ظلت على حالها حتى قامت الثورة في 2011 “فوجدت الجماعة نفسها وجها لوجه مع الدولة في علاقة سياسية مباشرة، سواء في أثناء أيام الثورة الأولى مع المجلس العسكري كأكبر فصيل سياسي، أو بعد إنشاء حزب الحرية والعدالة، وقد بدأت الجماعة نجاحا نسبيا في التحول نحو الندية السياسية مع الدولة، إلا أنها لم تكن مستعدة لهذه المرحلة استعدادا كاملا”. والإشارة إلى مفهوم الندية السياسية مع الدولة فيها دلالة واضحة على المفهوم المركزي الذي تحمله الجماعة عن السلطة، بحيث لا تفهم أن دورها هو تدبير السلطة بل الحلول محلها، بمعنى أن تصبح الدولة هي الجماعة والجماعة هي الدولة. كما أن إطلاق عبارة “الفصيل السياسي” على المجلس العسكري يعكس طبيعة نظرة الجماعة إلى المؤسسة العسكرية في مصر، على أساس أنها تنظيم سياسي منافس لا مؤسسة عسكرية راعية لأمن الدولة.

بيد أن الوثيقة لم تتطرق أبدا إلى مسألة العنف الذي تمت ممارسته خلال أحداث الثورة في مصر، ولم تخضع فكر الجماعة حول شرعية ممارسة العنف من أجل التغيير والثورة للنقد والمراجعة، كما لم تعد النظر في المفاهيم التقليدية الكامنة في فكر الجماعة منذ التأسيس.

الواضح أن جماعة الإخوان توجد اليوم أمام مفترق تاريخي، إما محاسبة الذات وإما الحكم على نفسها بالتلاشي. فالجماعة منذ تأسيسها شكلت خلفية لمختلف الجماعات التي أنشئت على غرارها في العالم العربي، ما جعل نفس الأخطاء التي ارتكبتها الجماعة الأم تتكرر في عدد من الأقطار العربية. ومن المتوقع، في حال نجاح الجماعة في مراجعة نفسها، أن تكون تلك المراجعة بمثابة كرة الثلج التي ستتدحرج في المنطقة العربية مراجعة وتقييما للمسيرة الإخوانية.

 

GMT 08:06 2019 السبت ,15 حزيران / يونيو

طوق النجاة لمباحثات الخرطوم

GMT 08:03 2019 السبت ,15 حزيران / يونيو

من قراءات الأسبوع

GMT 07:46 2019 السبت ,15 حزيران / يونيو

كيف نتصدى لإيران في الخليج؟

GMT 07:44 2019 السبت ,15 حزيران / يونيو

عيون وآذان (محمد بن زايد يعرف مصالح الإمارات)

GMT 07:42 2019 السبت ,15 حزيران / يونيو

قراءة نيابية في الموازنة قبل المجلس الدستوري

GMT 07:40 2019 الجمعة ,14 حزيران / يونيو

الإيماءات الدبلوماسية لن تحل المشكلة الإيرانية

GMT 07:38 2019 الجمعة ,14 حزيران / يونيو

عيون وآذان (إرهاب إسرائيلي يؤيده ترامب)

GMT 07:36 2019 الجمعة ,14 حزيران / يونيو

سعد الحريري ورفض الأمر الواقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مراجعات الإخوان والتخبط السياسي مراجعات الإخوان والتخبط السياسي



GMT 03:37 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

عبايات "دولتشي آند غابانا" لخريف وشتاء 2019
المغرب الرياضي  - عبايات

GMT 05:47 2023 الأحد ,03 أيلول / سبتمبر

أفضل 50 فندقاً حول العالم لعام 2023
المغرب الرياضي  - أفضل 50 فندقاً حول العالم لعام 2023

GMT 01:32 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
المغرب الرياضي  - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
المغرب الرياضي  -

GMT 01:21 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 وجهات أوروبية لقضاء عطلة الصيف
المغرب الرياضي  - أرخص 10 وجهات أوروبية لقضاء عطلة الصيف
المغرب الرياضي  - أخطاء تقعين فيها عند ترتيب مطبخكِ عليكِ تجنّبها
المغرب الرياضي  - رفض دعاوى

GMT 13:04 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

نابولي يتصدر الدوري الإيطالي بعد الفوز على إنتر ميلان

GMT 17:02 2025 الجمعة ,24 تشرين الأول / أكتوبر

صدمة جماهير برشلونة بغياب رافينيا قبل مواجهة ريال مدريد

GMT 22:22 2025 الإثنين ,20 تشرين الأول / أكتوبر

هاري كين يسجل الهدف رقم أربعمئة ويتجاوز المئة مع بايرن

GMT 18:11 2025 الجمعة ,24 تشرين الأول / أكتوبر

محكمة التحكيم الرياضي ترفض استئناف برشلونة ضد طرد فليك

GMT 01:19 2025 الأحد ,19 تشرين الأول / أكتوبر

صلاح بين ميسي ورونالدو في قائمة أعظم لاعبي كرة القدم

GMT 14:04 2025 الأربعاء ,19 شباط / فبراير

كينين تتأهل لدور الـ8 ببطولة دبي للتنس للسيدات

GMT 10:16 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

حاذر ارتكاب الأخطاء والوقوع ضحيّة بعض المغرضين

GMT 10:16 2017 الإثنين ,09 تشرين الأول / أكتوبر

إنفوغراف 3

GMT 12:28 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

الرجاء الرياضي يفوز على أولمبيك الدشيرة بهدف دون رد

GMT 16:17 2025 الثلاثاء ,07 تشرين الأول / أكتوبر

بيريز يوضح الفرق بين انضمام رونالدو ومبابي لريال مدريد

GMT 23:58 2016 الثلاثاء ,10 أيار / مايو

ويلشير يحذر آرسنال "لا تستخفوا بأستون فيلا"

GMT 22:37 2017 الأربعاء ,23 آب / أغسطس

الوداد يعود بفوز ثمين من مراكش في كأس العرش
 
moroccosports

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

moroccosports moroccosports moroccosports moroccosports
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib