الرئيسية » في المكتبات

لندن ـ وكالات

بعد احتفال مكتبة الكونغرس العام الماضي بمرور مائة سنة على صدور 'كتاب خالد' للكاتب اللبناني وأحد أبرز وجوه النهضة العربية، أمين الريحاني (١٨٧٦ ـ ١٩٤٠)، أقدمت دار 'نيفيرسينك لايبريري' في نيويورك منذ فترة قصيرة على إصدار طبعة جديدة من هذا الكتاب. ويُعتبر 'كتاب خالد' أول رواية لكاتب عربي باللغة الإنجليزية (1911) وتتجلّى فيها أبرز أفكار الريحاني، وتشكل بالتالي خير مفتاح لولوج أعماله الأدبية الأخرى وفهم مشروعه الكتابي ككُل. والقصة التي يسردها الريحاني في هذا النص تتعلق بالفتى 'خالد' من مدينة بعلبك اللبنانية، الذي يهرب من منزله خوفا من العقاب الذي كان ينتظره على يد والده بسبب تمرّده على مدرّسه وتحطيمه تمثالا للعذراء، فيستقر في قلعة بعلبك الأثرية ويعمل حمّارا لفترة، مما يسمح له بجمع بعض المال واستبدال جمل بحماره، ثم فرس بالجمل، قبل أن يبيع الفرس ويسافر بثمنها إلى نيويورك برفقة صديقه شكيب. ولدى وصولهما إلى هذه المدينة -بعد أسابيع من السفر المنهِك- يعمل الصديقان كبائعين جوّالين لكسب عيشهما قبل أن يفترق خالد عن شكيب لاعتباره تجارتهما عملية خداع للناس، فيتحوّل إلى بوهيمي يمضي وقته في القراءة والكتابة، ثم في اختبار الحب، ضمن سعي ثابت خلف الحقيقة يدفعه بعد ذلك إلى النشاط في ميدان السياسة. لكن بسرعة يكتشف فساد السياسيين ويفضحه، فيتآمر هؤلاء عليه ويرمونه في السجن. وخلال أيام حبسه القصيرة، يمضي خالد وقته في التأمّل ويستخلص درس أميركا الأول: 'مع الحرية يكمن الفساد، ومع العدل يكمن الظلم، ومع التفاؤل يكمن التشاؤم'. ومع أنه لن يحكم سلبيا على هذا البلد الذي يتمتّع، في نظره، بمحاسن كثيرة، إلى جانب مساوئه، إلا أن التشاؤم والحنين إلى بعلبك يغلبان عليه، فيقرر مع شكيب العودة إلى لبنان دون أن يحسب حسابا لما ينتظره من مشاكل هناك. وفور وصوله إلى وطنه الأم يواجه نظرة اللبنانيين إليه كشخصٍ 'متأمرِك' -كما يبدو- بسبب تسامحه الديني، في صراع مع كهنة الكنيسة المارونية الذين كانوا متشدّدين آنذاك فيمنعون زواجه من ابنة عمه نجمة التي أحبها منذ الطفولة، ويلقون عليه الحرم الكنسي ويتّهمونه بالإلحاد، فيعيش فترة تنسّك في أحضان الطبيعة في أعالي جبل لبنان قبل أن يدخل في صراع آخر مع الأمبرطورية العثمانية. يقوده هذا الصراع إلى إلقاء المحاضرات والخطب في الساحات والجوامع وإلى قيادة مظاهرات من أجل استقلال العرب، فيُلاحق ويُسجن لكنه يتمكّن من الفرار في الصحراء مع شكيب ونجمة وابنها وامرأة أميركية تنتمي إلى الطائفة البهائية، قبل أن يتوارى في نهاية المطاف. وتشدّنا هذه الرواية بالأبعاد الكثيرة التي تتمتّع بها. فثمة أولا بُعد السيرة الذاتية فيها الذي يتجلى في تطابُق معظم تفاصيل حياة خالد مع تفاصيل حياة الريحاني، كما نستشفّ بسرعة بُعدا مسارّيا لتصوير الرواية مختلف مراحل تطوّر خالد الفكري والسياسي والروحي، وبالتالي لمتابعتنا فيها عملية نضجه التدريجية انطلاقا من التجارب الحياتية الكثيرة التي يعبرها. لكن النصّ يتحلى خصوصا ببُعد سيكولوجي لانحسار الحبكة المعتمدة فيه لصالح توسّعٍ مسهب في تحليل شخصية خالد التي نكتشفها من خلال مصادر مختلفة: كتاب خالد الذي يكتشفه الناشر الراوي في المكتبة الخديوية بالقاهرة ويستشهد من حينٍ إلى آخر به، ورسائل خالد إلى صديقه شكيب التي نقرأ مقاطع طويلة من بعضها، وأيضا مداخلات شكيب الشفهية أو المخطوط الذي يروي فيه قصة صديقه ويلجأ الراوي إليه أحيانا، إلى جانب ملاحظات هذا الأخير وعملية سرده لحياة خالد التي لا تخلو من الطرافة والسخرية. ولا نخطئ إذا قلنا إن الرواية تنتمي أيضا وبشكلٍ ما إلى أدب الرحلة نظرا إلى وصف الريحاني المسهب والجميل فيها لسفر خالد وشكيب من بيروت إلى نيويورك، مرورا بمرسيليا، ولتسكع خالد في شوارع نيويورك وأحيائها، ثم في أرجاء الطبيعة في جبل لبنان، قبل توجّهه إلى دمشق، بدون أن ننسى رحلة فراره إلى الصحراء. ويعالج الريحاني في روايته مواضيع رئيسية ثلاثة تفسّر تقسيمه لها إلى ثلاثة أجزاء: موضوع الإنسان الذي يشكّل مركز اهتمامه الأول وموضوع الطبيعة التي يعثر فيها على عجائب لا تُحصى وتشكّل مصدر إعجاب ووحي لا ينضب له، وموضوع الله الذي يؤمن به ويعمد إلى تمييزه عن أي ديانة. لكن حقل تأملاته لا ينحصر في هذه المواضيع، بل يتجاوزها لينال جوانب اجتماعية مختلفة، كمسألتي الهجرة والعمل، وطبيعة بعض العواطف البشرية، كالحب والحنين، ومفهوم الشخصية. وفي هذا السياق، يستحضر مراجع غربية وشرقية غزيرة وأقوالاً لفلاسفة وأدباء وشعراء مستخدما لغةً بسيطة ومجرّدة من أي مصطلح تقني، ومستعينا في توجّهه إلى قارئه بقلبه بقدر استعانته بذهنه الوقّاد. لكن قيمة هذا النص تكمن خصوصا في النظرة الموضوعية التي يلقيها الريحاني على أميركا وشرقنا، وبالتالي في محاولة توفيقه بين الثقافة والقيَم الغربية والثقافة والقيَم العربية. وهو هاجسٌ ينعكس في معظم كتاباته وكتابات غيره من المهاجرين العرب الأوائل، مثل جبران خليل جبران الذي يحضر في هذه الرواية من خلال رسوم تتصدر أجزاءها الثلاثة.

View on moroccosports.net

أخبار ذات صلة

إصدار رواية بعنوان "سهراب" للكاتبة منار غنطوس
«غرفة السطح» تصوير للمجتمع الهندي في أربعينيات القرن العشرين
مناقشة كتاب "فن اللامبالاة" في جيزويت الإسكندرية الاثنين
الكاتب موسي بلال يصدر كتاب جديد بعنوان "الحريم الرقمي"
رواية "الجنية" لمازن فاروق بدر في طبعتها الثانية قريبًا

اخر الاخبار

العثور على مصاحف وسط القمامة في المدينة المنورة و"الشؤون…
تفاصيل مُثيرة عن حقيقة اختطاف فتاة قاصر من مطار…
نهاية مأساوية لأخ حاول فضّ عراك بين شقيقه وشخص…
شاب يسلم نفسه إلى شرطة تطوان بعدما ذبح خليلته…

فن وموسيقى

ناهد السباعي ترفض قطعيًا أن تكون الزّوحة الثّانية
إليسا تعود لصديقاتها من جديد وتُمارس تمارينها الرياضية
الفنان أحمد عز يفتح صندوق أسراره وجديد أعماله
جمال سليمان يشيد بالترحيب بالسوريين المقيمين في مصر

أخبار النجوم

سُميَّة الخشاب تُقرِّر العودة إلى السينما بفيلم وسيناريو جديد
محمد الشرنوبي يتجاهل الحديث عن خطوبته من سارة الطباخ
طليقة وائل كفوري تستعرض جمالها وتكسر الحصار
حسن الرداد يُكشف كواليس مسلسه الرمضاني "الزوجة 18"

رياضة

ليونيل ميسي يسجل هدفا متأخرا لإنتر ميامي لكنه لا…
مدرب موناكو يؤكد اقتراب عودة بول بوغبا إلى الملاعب…
لامين يامال يشعل التوتر قبل الكلاسيكو بتصريحات مثيرة
رونالدو يحتفل بهدفه رقم 950 ويؤكد استمراره في تحطيم…

صحة وتغذية

احذر إهمال ارتفاع ضغط الدم ولا تتجاهل علامات الوجه
دراسة تؤكد أن الرضاعة الطبيعية تقلل خطر الإصابة بـ"الربو"
بريطانيّة تُنقذ حياة ابنها بعد أن لاحظت إحمرارًا على…
لصقة من جلد الإنسان تحدث ثورة في علاج القلب

الأخبار الأكثر قراءة