الرئيسية » تقارير

نابلس - وفا

في العام 1950 أسس رجل الأعمال المرحوم محمد عنبتاوي أول مصنع ثلج في نابلس، وكان ذلك حدثا كبيرا في المدينة، فمكعب ثلج صغير غير أمزجة السكان وبردها. في العام 2013 تحولت الشام الصغيرة، وبلاد الشام كلها إلى قالب ثلج كبير.  فعلى مدار ثلاثة أيام متواصلة من الثلج تغير كل شي: الأمزجة ولون الجبال وفكرة الناس عن الثلج. لقد اختفى كل شيء تحت البياض. ما هذا الذي يبدو من على بعد 20 كيلومترا.كتلا بيضاء وندف غزير مستمر يقطع أوصال الضفة الغربية المقطعة أصلا؟  إنها بكل تأكيد ليست جزءا من أوروبا في ذروة الشتاء. إنها نابلس التي شهدت فقط قبل أسابيع قليلة درجات حرارة عالية. لكن جبل النار الذي عرف تاريخيا، باشتعاله سياسيا وعسكريا، يقع اليوم تحت درجة التجمد، فالعاصفة التي تضرب بلاد الشام منذ أيام، جمدت كل شيء. ويبدو كل شيء ينهار تحت وطأة الثلوج المتراكمة في كل مكان.  لقد وصلت الثلوج إلى متر أو أكثر في أعالي نابلس. وأنا أسير وسط الشوارع المقفرة المغطاة في الثلج قلت لنفسي ماذا لو كان هذا في بوسطن بولاية ماساتشوسيتس، على الساحل الشرقي البارد في الولايات المتحدة. الولاية التي يتوجه إليها الطلاب من كل العالم للدراسة؟ هل ستموت الحياة هكذا في موئل صناعة الحضارة الجديدة في بلاد العام سام؟ بالتأكيد، لا. فهم مجهزون بكل شيء؛ الآليات والثقافة.  فضربت قبل سنتين عاصفة ثلجية الولاية وتدنت درجات الحرارة إلى ما دون 15 تحت الصفر، لكن الحياة استمرت دون ضجيج. ففي تلك العاصفة الثلجية كنت ترى المتريضين على ضفاف نهر تشارلز يركضون لاهثي الأنفس. إذا لا مجال للمقارنة بين الشرق والغرب. فالسلام النسبي الذي يعيشه الناس حتى في أصعب الظروف الجوية، ينقلب صياحا هنا. فالبنية التحتية غير مؤهلة، والتعامل مع الكوارث التي تخلفها الطبيعة أيضا يحتاج إلى ثقافة عامة. ظهر الشرطيون وعمال الطوارئ يشتكون بألم من عدم التزام الناس بالإرشادات والنصائح. لكنها تبدو حقا عاصفة القرن من ناحية، ومن ناحية أخرى تبدو عادية للبعيدين مباشرة عن الخطر. فجيل كامل من الفلسطينيين لم يشاهد الثلوج الحقيقية بأم عينيه. وسمة الفرح التي انقلبت لاحقا إلى حزن بدت على وجوه الفلسطينيين في كل المدن التي تعرضت لهذه العاصفة الطويلة. فالحصار الذي شهدته بعض أحياء المدينة غير مألوف. هذه المرة انه حصار لا يقاوم. إنها الطبيعة التي جادت جدا بمطرها وثلوجها ورياحها. وبطول شوارع كثيرة في المدينة ستجد المركبات التي غمرتها الثلوج والأشجار التي سقطت وطمرت بالثلوج. قلت لسائق تاكسي: أنا صحفي، أريد أن أصل المنطقة العليا من المدينة، فاخبرني باتسامه السخرية، أن انتظر ريثما يحضر لي عربة مدرعة أو طائرة هيلوكبتر. لقد أنتجت العاصفة كما هائلا من الثلوج، وكما كبيرا من السخرية والتندر. بدا الأمر حقيقة، هو كيف أن تكون خائفا منطقيا أو أن تكون واقع تحت تأثير رعب مواقع التواصل الاجتماعي التي تبث أخبارا تهويلية..أو أن تكون لا مباليا لتخرج بمركبة محركها صغير تحتاج لمعجزة للتحرك. الحركة تسير ببطء والتخويف الذي مارسته بعض وسائل الإعلام الاجتماعي يبدو الآن حقيقيا.  فكل شيء يبدو نسبيا في بلاد الشام آيلا للخراب بسبب المياه. لكن ما هي حقيقة كون الكثير من العائلات معزولة، ولم تستطع حتى الخروج من منازلها إلى ساحاتها. بدا ارتفاع الثلوج أحيانا مرعبا وحاجزا منيعا أمام حتى التفكير في الخروج.  وثمة حديث يزداد عن معزولين في نابلس الجديدة، وعلى جبل جرزيم، حيث القمة الأعلى التي يسكنها السامريون. الجرافات لا تكفي لفتح كل الطرق، ولا الطواقم التي عملت على مدار النهار والليل. فبعد ثماني ساعات من نداء الاستغاثة استطاعت فرقة إنقاذ وصول سيدة حامل من حي نابلس الجديدة إلى مستشفى رفيديا. استغرق الأمر نحو 3 ساعات لوصولها. خلال 11 ساعة يمكن لمتسلقين محترفين وصول مسافات كبيرة على انحدار جبال الألب. والتيار الكهربائي الذي ينقطع في بعض المناطق كان أقصى ما يطلبه المتصلون على الإذاعات المحلية. تقول في سرك مرة أخرى، ماذا لو تعرضت البلاد ببنيتها التحتية هذه لكوارث طبيعية أكثر، ستفكر في مخازن الأدوية لدى وزارة الصحة، وهي دائما تعاني من نقص، ستفكر في الذين يسكنون الجبال البعيدة، وستفكر في مجتمع ليس معتادا على مواجهة طبيعة بهذه القسوة. سيقول لك عامل طوارئ، إن المنطقة كلها تسقط تحت وطأة العاصفة.  فإسرائيل بنت العالم الأول سقطت، وفورا خرجت الصحف العربية بهذا العنوان القاسي تجاه دول تفاخر دائما برصيدها الكبير في مواجهة الكوارث. ستقول أين قوة هذه الدولة التي تمتلك ترسانة أسلحة وترسانة معدات تخيف بها دول المنطقة؟ إذا، إنها الطبيعة التي تهزم كل شيء. هكذا يروي بعض الفلسطينيين ما حصل عامي 1950 و1992. لقد طال الثلج الأعناق. ارتفاعات مهولة. وظهر الوضع أسوأ في رام الله وغزة، فالمدينتين نامتنا بدون كربهاء، وبينما أغلقت الثلوج شوارع رام الله، المدينة العالية، غمرت السيول غزة المدينة ذات المباني المتراصة على ساحل المتوسط. اما نابلس، فحري بها اسمها الجديد. جبل الثلج. ولو ليومين.

View on moroccosports.net

أخبار ذات صلة

هزات أرضية متتالية تضرب الحسيمة والمناطق المحيطة بها
بريطانيا تستحدث إسلوب زراعي جديد لتعزيز المحاصيل خلال 2040
تقرير دولي يعلن انقراض أول ضحايا التغيرات المناخية
إنشاء مجلس دولي لحماية الأمن المناخي في مؤتمر الأمن…
"الغازات الدفيئة" تُهدد باقتراب "السٌّحب" من رؤوس البشر

اخر الاخبار

العثور على مصاحف وسط القمامة في المدينة المنورة و"الشؤون…
تفاصيل مُثيرة عن حقيقة اختطاف فتاة قاصر من مطار…
نهاية مأساوية لأخ حاول فضّ عراك بين شقيقه وشخص…
شاب يسلم نفسه إلى شرطة تطوان بعدما ذبح خليلته…

فن وموسيقى

ناهد السباعي ترفض قطعيًا أن تكون الزّوحة الثّانية
إليسا تعود لصديقاتها من جديد وتُمارس تمارينها الرياضية
الفنان أحمد عز يفتح صندوق أسراره وجديد أعماله
جمال سليمان يشيد بالترحيب بالسوريين المقيمين في مصر

أخبار النجوم

سُميَّة الخشاب تُقرِّر العودة إلى السينما بفيلم وسيناريو جديد
محمد الشرنوبي يتجاهل الحديث عن خطوبته من سارة الطباخ
طليقة وائل كفوري تستعرض جمالها وتكسر الحصار
حسن الرداد يُكشف كواليس مسلسه الرمضاني "الزوجة 18"

رياضة

اتهامات لإنفانتينو بخرق قواعد الحياد في فيفا بعد إشادته…
جائزة سلام الفيفا الأولى تشعل المنافسة بين أبرز الأسماء
يامال يرفض المقارنات بميسي ويركز على تحسين أداء الفريق
هالاند يحذر خصومه ويؤكد ما زلت أملك المزيد

صحة وتغذية

احذر إهمال ارتفاع ضغط الدم ولا تتجاهل علامات الوجه
دراسة تؤكد أن الرضاعة الطبيعية تقلل خطر الإصابة بـ"الربو"
بريطانيّة تُنقذ حياة ابنها بعد أن لاحظت إحمرارًا على…
لصقة من جلد الإنسان تحدث ثورة في علاج القلب

الأخبار الأكثر قراءة