الرئيسية » أخبار الثقافة والفنون

باريس - المغرب اليوم

في العاشرة من عمرها، أهدتها والدتها آلة كاتبة بمناسبة رأس السنة الميلادية 1977، بعدها بسبع سنوات تنشر ماري نْدياي أولى رواياتها، تلك الفتاة الرقيقة الخجولة، ستدخل ميدان الأدب من بابه الواسع وسط جلبة غير عادية، والسبب أنها نشرت روايتها الأولى، وهي لا تزال مراهقة، في دار النشر الباريسية «مينوي". "مينوي» هي إحدى أشهر دور النشر التي ستحظى بعد أشهر قليلة بجائزة «نوبل» صحبة كلود سيمون، ولنعطي فكرة عما كانت تشكله دار النشر المذكورة تلك السنة، يكفي أن نتصور أن الطالبة بالسلك الثانوي، سوف تقابل في زقاق بيرنار- باليسي، أدباء، أمثال مارغريت دورا (جائزة غونكور 1984)، صامويل بيكت (جائزة نوبل 1969)، ناتالي ساروط، جاك دريدا، جون إيكينوز، جيل دولوز، ألان روب – غرييه. هكذا تتضح الصورة. هذه الكاتبة المراهقة هي ماري ندياي من أم فرنسية وأب سنغالي، تبناها الناشر الراحل جيروم لاندون صاحب دار «مينوي» الذي ما إن قرأ مسودة روايتها الأولى حتى ذهب لمقابلتها في مدرستها، بالتنسيق مع أمها، حاملا عقدا ينتظر توقيعها مع الدار الشهيرة. ظلت مع تلك الدار ونشرت عددا من رواياتها هناك، إلى أن استقطبتها دار «غاليمار» التي لا تقل شهرة عن سابقتها، حيث نشرت روايتها «ثلاث نساء قويّات» التي حازت من خلالها على الجائزة التي يحلم بها معظم الكتاب الفرنسيين. «ثلاث نساء قويّات»، حكاية يتقابل فيها مصير ثلاث شخصيات: نورا، فانتا، وغادي. ولا واحدة من أولائك النسوة، تقدمها ماري ندياي في وضعية مريحة. نورا في الأربعين، غادرت باريس، عائلتها وعملها كمحامية، لتقوم بزيارة أبيها في إفريقيا. ملاقاة أكثر من عسيرة بين الأب والبنت، سيتضح بعدها أنها ستصير، بالنسبة إلى هذه الأخيرة، اختبارا للحقيقة يهدِّد علاقتها الزوجية، علاقتها بابنتها، ذاكرتها، بل حتى صوابها وإذن حياتها برمتها. فانتا، تترك بلدَها السنغال لتلتحق بزوجها رودي بفرنسا. وها هي تصبح فريسة للضجر وتصير شاحبة ونحيلة بإحدى الضواحي الفرنسية مفتقدة للعطف والحنان، في حياة رتيبة، ضيقة، أو بالأحرى هكذا كان رودي يرى الأشياء، وفقط من خلال الصوت الداخلي لهذا الأخير، المفعم بالإحساس بالذنب، سيتسنى لنا التعرف على فانتا. أخيرا، هذه غادي، الشابة الأفريقية التي تضطر إلى الهجرة مكرهة بسبب قسوة ظروفها، فقد صارت أرملة تعاني العزلة واليأس. تنساق، صحبة مهاجرين سريين آخرين، في رحلة مأساوية لن تقودها إلى أي مكان، لكنها لن تعود. تتجلى عظمة ماري ندياي الفنية، في إقحامها في خضم الحكي، أعراضا (ظواهر، تحولات...) كتومة تتأجج شيئا فشيئا عبر كتاباتها، تلاعبها بقواعد الواقعية لتجعلها أكثر تعقيدا، أكثر شدة وتعتيما. قد يصل بها الأمر حتى إلى تغيير جوهرها، وهي تغوص كل مرة في سرد التمزقات والأغوار التي تشبه فوهات تسمح بولوج الحياة الداخلية الأكثر عمقا لتلك الشخصيات. ذلك المكان الدقيق عن الوصف للكائن، حيث يصبح علم النفس متجاوزا، ذلك المجال الحميم، الموحش، البدائي، العنيف، المسموم، حيث تنفطر الجروح الأصلية، وتفقص النبضات الضارية. هنا، في هذا البعد الخفي العصي عن الملامسة، من التجربة الإنسانية، تبحث دائما ماري ندياي. هناك تدعونا مرة أخرى، حيث يبدو على مر الصفحات أنها تُجرد شيئا فشيئا، حكيها من صبغته السريالية، دون أن تفقد مع ذلك شيئا من قوة إيحاءاتها، من سريتها، من حصانتها المنيعة. تجسد، تحت غطاء أسلوب مخملي ناعم، عارف ودقيق، دون أن ترفع من نبرته، في سهل ممتنع، رؤية غاية في القسط، ملموسة، وقورة ومؤلمة للبشرية المعذبة. وبرفقة عائلتها، غادرت ماري نْدياي باريس متجهة إلى برلين، لم يعلم بهجرتها إلا بعض المقربين، وظلت محتفظة بأسباب هجرتها البرلينية إلى أن فازت بالجائزة الكبرى، وكان لا بد أن تسألها وسائل الإعلام عن سر هجرتها تلك. حينها صرحت أن الثلاثية «إخاء، حرية، مساواة» التي تعلو واجهات المباني العامة في مدن وقرى فرنسا وسفاراتها، والتي جعلت من فرنسا بلد الحريات، أصبحت الآن في خبر كان. لقد سبقت ماري نْدياي كل الكتاب الآخرين في مغادرة فرنسا التي انتخبت نيكولا ساركوزي لرئاسة الجمهورية. قالت: «إن الأجواء في فرنسا تحت حكم ساركوزي أجواء بوليسية كريهة، وإن سياسته وسياسة وزرائه تجاه المهاجرين وحشية ومثيرة للغثيان»، لهذا كان عليها أن تهرب بعيدا عن هذه الأجواء. كانت ماري نْدياي تعرف مثل غيرها من المفكرين والكتَّاب أن فرنسا تنزلق بعيدا عن القيم والمُثُل الديمقراطية التي صنعت مجدها، لكنها كانت الأشجع في المغادرة وفي وصفها للحالة. صفاء ذهنها، نقاء سيرتها، صدق موقفها السياسي، عذوبة أدبها وخصوبة تعبيرها الروائي، حديث يطول ويستحق أن نضرب للقراء موعدا آخر لسبر أغواره.

View on moroccosports.net

أخبار ذات صلة

"الأوقاف" المصرية تُنفّذ أكبر خطة لإعمار المساجد وتجديدها
تثبيت عمود مرنبتاح في بهو المتحف المصري الكبير بجوار…
أبو الغيط يُهنئ أول أديبة عربية تفوز بجائزة "مان…
تركي آل الشيخ يُطلق مسابقتين عالميتين لأجمل "تلاوة وأذان"
أمسية ثقافية رمضانية في جنين تعرض أفلامًا عن التاريخ…

اخر الاخبار

العثور على مصاحف وسط القمامة في المدينة المنورة و"الشؤون…
تفاصيل مُثيرة عن حقيقة اختطاف فتاة قاصر من مطار…
نهاية مأساوية لأخ حاول فضّ عراك بين شقيقه وشخص…
شاب يسلم نفسه إلى شرطة تطوان بعدما ذبح خليلته…

فن وموسيقى

ناهد السباعي ترفض قطعيًا أن تكون الزّوحة الثّانية
إليسا تعود لصديقاتها من جديد وتُمارس تمارينها الرياضية
الفنان أحمد عز يفتح صندوق أسراره وجديد أعماله
جمال سليمان يشيد بالترحيب بالسوريين المقيمين في مصر

أخبار النجوم

سُميَّة الخشاب تُقرِّر العودة إلى السينما بفيلم وسيناريو جديد
محمد الشرنوبي يتجاهل الحديث عن خطوبته من سارة الطباخ
طليقة وائل كفوري تستعرض جمالها وتكسر الحصار
حسن الرداد يُكشف كواليس مسلسه الرمضاني "الزوجة 18"

رياضة

رونالدو يوضح مقصده من كلمة "قريباً" حول نهاية مسيرته
اتهامات لإنفانتينو بخرق قواعد الحياد في فيفا بعد إشادته…
جائزة سلام الفيفا الأولى تشعل المنافسة بين أبرز الأسماء
يامال يرفض المقارنات بميسي ويركز على تحسين أداء الفريق

صحة وتغذية

احذر إهمال ارتفاع ضغط الدم ولا تتجاهل علامات الوجه
دراسة تؤكد أن الرضاعة الطبيعية تقلل خطر الإصابة بـ"الربو"
بريطانيّة تُنقذ حياة ابنها بعد أن لاحظت إحمرارًا على…
لصقة من جلد الإنسان تحدث ثورة في علاج القلب

الأخبار الأكثر قراءة